Formation Continue

المعهد العالي للعلوم يكرم محمد الصالح الصدّيق بتسمية دفعة 2024 باسمه

تكريمًا لإرثه الفكري والإصلاحي، دفعة 2024 تحتفل بمسيرة العلامة محمد الصالح الصدّيق

في مسيرة حافلة بالتضحية والعطاء، قدم العلامة محمد الصالح الصدّيق مثالاً مشرفًا على تلاحم العلم بالجهاد، والتزامًاَ عميقًا بالقيم الوطنية والإصلاحية، فقد كان صاحب رؤية وطنية شاملة تسعى لنهضة الجزائر فكريًا واجتماعيًا، فجمعت سيرته بين العلم والجهاد، وبين الحرية والإصلاح.

 اليوم، يُكرم المعهد العالي للعلوم محمد الصالح الصدّيق بتسمية دفعة تخرج طلبة ليسانس للموسم الجامعي 2024/2025 باسمه في خطوة لتكريم إسهاماته العميقة في بناء الجزائر المستقلة.

1. تعريف الكاتب محمد الصالح الصديق

وُلد محمد الصالح الصدّيق في 19 ديسمبر 1925 بقرية أبيزار التابعة لولاية تيزي وزو ، في بيئة علمية ودينية كانت عاملاً رئيسيًا في تشكيل شخصيته الفكرية.

 نشأ العلامة في كنف والده الشيخ البشير آيت الصدّيق إمام جامع إبسكرين، الذي كان له تأثير بالغ على مسيرة ابنه، حيث حفظ محمد الصالح القرآن الكريم في سن مبكرة، ثم التحق بزاوية سيدي منصور آث جناد ليكمل حفظ القرآن وهو في التاسعة من عمره. كما تلقى مبادئ اللغة العربية في زاوية الشيخ عبد الرحمن اليلولي بجبل يلولة، وفي هذه الأجواء العلمية والدينية بدأ محمد الصالح الصدّيق في صقل شخصيته العلمية.

2. التحصيل العلمي والانفتاح على الفكر الإصلاحي: من جامع الزيتونة إلى الفكر الثوري

في عام 1946، انتقل محمد الصالح الصدّيق إلى تونس لإتمام دراسته في جامع الزيتونة، حيث تعمق في دراسة اللغة العربية والفكر الإسلامي، وتخرج منها بشهادة التحصيل في عام 1951، ومن هناك بدأ يشارك في الصحافة العربية، حيث كتب ونشر مقالات في الصحف الجزائرية والتونسية. كان لهذا التفاعل المبكر مع الفكر الإصلاحي والتعليمي أثر كبير في توجيه مسيرته، إذ تأثر بشكل مباشر بحركة الشيخ عبد الحميد ابن باديس، وكان من أبرز من حملوا راية الإصلاح الوطني بعده.

3. دور محمد الصالح الصدّيق في الثورة الجزائرية: جهاد فكري وإعلامي

عندما اندلعت الثورة الجزائرية سنة 1954، كان محمد الصالح الصدّيق في طليعة المناضلين الذين وقفوا بجانب المجاهدين. وفي عام 1956 وبعد أن تم اكتشافه من قبل الاحتلال الفرنسي، تعرض للاعتقال والتعذيب، لكنه لم ينثن عن استمراره في النضال، فبعد إطلاق سراحه غادر الجزائر متوجهاً إلى تونس ثم إلى ليبيا، حيث تولى عدة مهام إعلامية هامة، من أبرزها تأسيس إذاعة صوت الثورة الجزائرية، فقد كان له  دور بارز في الإعلام الثوري، من خلال تحريره للمقالات والخطب وإلقاء المحاضرات للترويج للقضية الجزائرية في الخارج.

في سياق هذه المرحلة، أشار الأستاذ محمد الصالح الصدّيق إلى مسألة مثيرة للجدل تتعلق بتأسيس إذاعة صوت الجزائر بليبيا، حيث أكد أنه كان له الفضل في تدشين هذه الإذاعة، وليس الأستاذ الأمين دباغين كما هو شائع، فقد كان لهذه الإذاعة دور محوري في إيصال صوت الثورة الجزائرية إلى العالم، وتوثيق معاناة الشعب الجزائري تحت الاحتلال الفرنسي.

4. مؤلفات محمد الصالح الصديق وإسهاماته الفكرية: من صحف الزيتونة إلى التأريخ للثورة

بعد الاستقلال لم يتوقف محمد الصالح الصدّيق عن العطاء الفكري، بل ظل يسهم في تطوير الفكر الوطني والعلمي في الجزائر والعالم العربي، فمن بين مؤلفاته الأكثر شهرة:

  • مقاصد القرآن (1955): وهو كتاب تناول فيه الآيات القرآنية وأهدافها الإصلاحية.
  • صور من البطولة في الجزائر (1981): كتاب يقدم شهادات حية عن البطولات الثورية الجزائرية.
  • عميروش وقصص ثورية: الذي تناول فيه حياة أحد أبرز قادة الثورة الجزائرية.
  • الجزائر بين الماضي والحاضر: يعرض فيه التحولات السياسية والاقتصادية في الجزائر بعد الاستقلال.
  • البيان في علوم القرآن: والذي يعد من الكتب القيمة في مجال تفسير القرآن وعلومه.
  • عبد الحميد بن باديس من آرائه ومواقفه:  يتناول فيه الفكر الإصلاحي لابن باديس ودوره في إحياء الوعي الوطني في الجزائر.

من خلال هذه المؤلفات، قدم العلامة محمد الصالح الصدّيق رؤية فكرية تجمع بين علوم القرآن، التاريخ الثوري، والشخصيات الجزائرية المؤثرة، وقد ترجم بعض كتبه إلى عدة لغات عالمية، مما جعله واحدًا من أبرز المفكرين الذين نقلوا تجربة الجزائر إلى الخارج.

إلى جانب ذلك، كتب محمد الصالح الصدّيق في مختلف الصحف والمجلات بالجزائر وخارجها، بداية من فترة دراسته في تونس، حيث نشر مقالات في صحيفة الطالب الزيتوني ومجلة وحي الشباب. كما كتب في العديد من الصحف الأخرى في الجزائر وفي الدول العربية.

من بين مؤلفاته المنشورة:

  • أدباء التحصيل (1951)، الذي نشره على نفقته الخاصة.
  • من قلب اللهب، سفينة الإيمان (1977)، الجزائر بلد التحدي والصمود، شخصيات ومواقف، أعلام من منطقة القبائل، وكتب أخرى تناولت مواضيع دينية وفكرية مهمة.

5. دوره في إصلاح التعليم والتراث: بناء جيل المستقبل

بعد الاستقلال، شغل العلامة منصب أستاذ في اللغة العربية والتربية الإسلامية، وشارك في بناء الجيل الجديد للجزائر،فقد  كان له دور محوري في إحياء التراث الثقافي حيث ترأس لجنة إحياء التراث بوزارة الشؤون الدينية في عام 1981، وساهم بشكل كبير في جمع أعمال وآثار الشيخ عبد الحميد بن باديس وتوثيقها.

كان أيضًا حريصًا على نشر أفكاره في وسائل الإعلام الجزائرية، حيث قدم دروسًا وبرامج في الإذاعة الوطنية والتلفزيون الجزائري، ما ساعد على تعزيز الثقافة الدينية والعلمية في المجتمع الجزائري

6. الإرث الثقافي والفكري: علم، جهاد، وإصلاح

اليوم، يُعد محمد الصالح الصدّيق من أبرز الشخصيات الفكرية في الجزائر، حيث ترك بصمة لا تُمحى في مجالات العلم، التعليم، والفكر الإصلاحي. لقد جمع بين الدين والعلم، بين الحرية والنهضة الثقافية، ما جعل من سيرته نموذجًا حيًا للعالم المجاهد الذي يجسد القيم الوطنية والإصلاحية، وأصبح إرثه الفكري مرجعًا أكاديميًا في الجامعات الجزائرية والعربية.

7. تكريمه وتسمية دفعة التخرج باسمه: استمرار التأثير والإلهام

حياة العلامة محمد الصالح الصدّيق هي رحلة علمية وجهادية تُمثل مزيجًا فريدًا من العلم، الجهاد، والإصلاح، فقد قدّم نموذجًا فريدًا في كيفية الجمع بين الفكر النضالي والعلمي، وظل طوال حياته رمزًا للعلماء المجاهدين الذين خدموا وطنهم بكل ما أوتوا من علم ووعي. ومع تكريمه بتسمية دفعة التخرج باسم “محمد الصالح الصدّيق”، تبقى سيرته حية في ذاكرة الوطن، مشرقة للأجيال الجديدة في سعيها لبناء مستقبل أفضل قائم على الحرية، العلم، والقيم الوطنية.a

Inscrivez-vous

Faculté des Mathématiques & Informatique

Système : LMD

Durée : 3ans

Langue : 

Présentiel :

Conditions : 

En savoir plus