تأثير العالم الرقمي على التفاعلات الاجتماعية والصحة النفسية للطلبة
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للعديد من الشباب، وباتت منبرًا رئيسيًا للتواصل والتفاعل الاجتماعي خاصةً بين الطلبة، فهذه المنصات تقدم لهم الفرص للتعلم والتعبير عن الذات، والانخراط في مجتمعهم الافتراضي الذي يتيح لهم فرصة لبناء علاقات اجتماعية تتجاوز الحدود الجغرافية.
وعلى الرغم من الفوائد التي يمكن أن تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي في تطوير المهارات الاجتماعية وتوسيع الآفاق الثقافية، فإن الاستخدام المكثف لها قد يحمل تأثيرات سلبية على الصحة النفسية للطلبة، فتارة قد تكون مصدرًا للتفاعل الإيجابي، وتارة أخرى قد تؤدي إلى العزلة الاجتماعية أو قلة الثقة بالنفس، ومشاكل أخرى مثل القلق والاكتئاب.
1- هل تعزز هذه المنصات من التفاعل الاجتماعي، أم أنها تزيد من عزلتهم وتؤدي إلى تفاقم مشاعر القلق والاكتئاب؟
تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للطلبة بطرق متعددة وغير مباشرة، حيث يمكن أن تكون مفيدة في بعض الأحيان وخطيرة في أحيان أخرى، فمن جهة توفر هذه المنصات فرصًا للتواصل والتفاعل الاجتماعي، مما يساعد على تقليل مشاعر العزلة وتعزيز العلاقات الاجتماعية خاصة بين الطلبة الذين يعانون من التباعد الجغرافي أو الاجتماعي، وهذا ما أكدته دراسة الدكتور ميشيل دي ميورا بجامعة بنسلفانيا، لكن من جهة أخرى يمكن أن تؤدي هذه المنصات إلى عواقب سلبية حيث أظهرت أبحاث مثل دراسة ليندا فوكس في جامعة ستانفورد أن الاستخدام المفرط يمكن أن يحفز مشاعر العزلة النفسية نتيجة التفاعلات السطحية التي لا تعوض التفاعل الوجهي الحقيقي وأن المقارنات المستمرة عبر هذه المواقع قد تؤدي إلى انخفاض تقدير الذات وزيادة القلق والاكتئاب.
2- التنمر الإلكتروني والمقارنات الاجتماعية
تشير نظرية المقارنات الاجتماعية لعالم النفس ليون فستنغر إلى أن الأشخاص يميلون إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين كوسيلة لقياس نجاحهم الشخصي، لكن مع وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المقارنات أسهل وأسرع، مما يزيد من احتمال ظهور مشاعر النقص، فعندما يرى الطلبة صوراً ومشاركات تعكس نجاحات وأسلوب حياة مثالية، قد يشعرون بأنهم أقل نجاحاً أو أقل سعادة مما يؤثر على تقديرهم لذاتهم ويزيد من الضغط النفسي.
كما وجدت دراسة أجرتها جامعة كوبنهاغن أن فترات التوقف عن وسائل التواصل خاصة في المناسبات قد تحسن الحالة النفسية للطلاب الذين يعانون من ضغوط المقارنة وتمنحهم شعوراً براحة مؤقتة.
ويواجه الطلبة أيضاً تحدياً آخر يتمثل في التنمر الإلكتروني، حيث أشارت دراسة من جامعة ميسوري إلى أن التعرض للتنمر عبر الإنترنت يزيد من خطر القلق والاكتئاب لدى الشباب، فمع سهولة الوصول للمنصات الاجتماعية، أصبح المتنمرون يمتلكون قنوات إضافية للإساءة، وغالباً ما يكون التنمر في هذه الحالة علنياً، مما يؤدي إلى تأجيج مشاعر الخجل والإحراج. ويقول الدكتور ميشيل مارسيلي المتخصص في علم النفس العيادي ” إن التنمر الإلكتروني يترك آثاراً نفسية أعمق لأنه يهدد الشعور بالأمان الشخصي في الأماكن الرقمية “وهي أماكن يلجأ إليها الطلبة عادة للتعبير عن ذاتهم بحرية.
3- طرق تعزيز الصحة النفسية والتفوق الأكاديمي في عصر وسائل التواصل الاجتماعي
أظهرت الأبحاث أن إدارة الوقت الذي يقضيه الطلبة على وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون من أفضل الوسائل لتعزيز الصحة النفسية، فقد وجد تقرير نشرته جمعية علم النفس الأمريكية أن الطلبة الذين يضعون حدوداً لاستخدامهم لتلك الوسائل يتمتعون بحالة نفسية أكثر استقراراً وراحة نفسية أكبر، كما ينصح الخبراء بتحديد أوقات يومية مخصصة لاستخدام وسائل التواصل وتجنبها أثناء فترات الدراسة أو النوم، حتى لا تؤثر على تركيزهم أو ساعات راحتهم.
كما يرى عالم النفس بروس تشالمرز أن التدريب على التفكير النقدي الرقمي يعزز من قدرة الطلبة على التمييز بين الواقع والمحتوى المزيف، مما يقلل من تأثير المقارنات السلبية ويعزز الصحة النفسية
4- تأثير وسائل التواصل على الأداء الأكاديمي
عند النظر إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الدراسة، نجد أن الاستخدام المفرط قد يؤدي إلى انخفاض التركيز وتراجع الأداء الأكاديمي، فقد أظهرت الدراسات أن الطلبة الذين يقضون وقتاً طويلاً على هذه المنصات قد يواجهون صعوبات في التحصيل الدراسي، كما قد يواجه الطلبة صعوبة في إدارة وقتهم بين الدراسة ووسائل التواصل والاستخدام الغير مدروس يؤدي إلى إهمال الدراسة أو انعدام تنظيم الوقت مما ينعكس سلباً على الإنجازات الأكاديمية.
ومع ذلك، يمكن أن تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز التعاون بين الطلبة في المشاريع الدراسية، حيث تسهل تبادل الأفكار والمعلومات، مما قد يحسن الفهم العام للمواد الدراسية.
5- التوازن هو الحل
تظل وسائل التواصل الاجتماعي سيفاً ذو حدين في حياة الطلبة، فهي توفر فضاءًا للتعبير عن الذات والتواصل، لكنها قد تؤثر سلباً على الصحة النفسية والأداء الأكاديمي، لذا يجب على الطلبة توخي الحذر في استخدامها، ووضع حدود تمكنهم من الاستفادة منها دون التأثير على صحتهم النفسية وعلاقاتهم الاجتماعية وضرورة التوازن بين الاستخدام الرقمي والحياة الواقعية.
وبما أن المعهد العالي للعلوم يهتم بالصحة النفسية للطلبة فهو يسعى دائما إلى توعية الطلبة حول تأثيرات هذه المنصات على صحتهم النفسية وكيفية تجنب الوقوع في آثارها السلبية من خلال ورشات العمل التي تقام بشكل دوري في المعهد.